مسرحية “الملك لير” : عمل كلاسيكي ضخم ينتصر لأهمية المسرح 

أيام قرطاج المسرحيّة
افتتاح الدورة الـ 26 لأيام قرطاج المسرحيّة: المسرح صوت من لا صوت له
23 نوفمبر 2025
أيام قرطاج المسرحيّة
افتتاح الدورة الـ 26 لأيام قرطاج المسرحيّة: المسرح صوت من لا صوت له
23 نوفمبر 2025
عرض الكل

مسرحية “الملك لير” : عمل كلاسيكي ضخم ينتصر لأهمية المسرح 

مسرحية الملك لير

المسرح مساحة للحرية وعلى الخشبة تتحرر الروح من قيود الجسد وتصنع أحلام وتلونها كما تشاء، على المسرح تصبح كل الاحلام مباحة، ويعود الشيخ طفلا حالما، لاعبا وملوّنا حياة الجمهور بألوان الفرحة وهو ما فعله الكبير يحيى الفخراني بجمهوره في افتتاح الدورة السادسة والعشرين من أيام قرطاج المسرحية، الفخراني قدم للجمهور مساحة من الفرحة لشدة صدقه اثناء التمثيل في شخصية “الملك لير”.

مسرحية “الملك لير” انتاج المسرح القومي المصري وإخراج شادي سرور بطولة النجم يحيى الفخراني وبمشاركة نخبة من نجوم المسرح من بينهم طارق دسوقي وحسن يوسف وأحمد عثمان وتامر الكاشف وأمل عبد الله وإيمان رجائي وريم عبدالحليم وطارق شرف ومحمد العزايزي وعادل خلف ومحمد حسن. المسرحية من ترجمة فاطمة موسى.

يعيش الانسان مع الوهم، يكبر معه حتى يصبح حقيقة، الوهم هو الذي قاد الملك لير الى التنازل عن سلطته واملاكه لابنتيه ثم الوصول الى حافة الجنون، “لير” الملك كان يعيش بوهم السلطة اللامتناهية، اعتقد ان الجميع تحت سلطانه حتى مشاعر بناته، سيطر عليه وهم الحكم فأراد العيش بنفوذ الملوك وتصرفات الشيوخ، وأول اصطدامه بالحقيقة، تعب وجنّ هكذا كانت نهاية ملك أبدع شكسبير في نحته على الورق وقدمه الكثير من الممثلين منذ العام 1606، وأعاد له يحيى الفخراني حياة أخرى بتقديمها نسخة 2025.

“الملك لير” مسرحية عن الصراع والتوحش البشري المقيت، في المسرحية التراجيدية الخيانة البشعة هي الأكثر انتشارا بين الشخصيات، تخون البنتين “ريغال” و”غورنيل” ثقة أب شيخ وملك تنازل عن العرش لهما فيطردانه من قصره وكل ملكه ويتركانه للعراء في العاصفة، يخون الابن “ادموند” شقيقه “ادغار” ووالده “غلوستر” ويترك الأول للفقر والثاني  تقتلع عيناه، كل هذه الخيانات سببها السلطة والصراع على المال.

مسرحية الملك لير ظلت وفية لكتابات شكسبير في تصوره للتوحش البشري، فالإنسان مزيج من القلق والظلم والجبروت والرغبة اللامتناهية في المال والحكم، هذه التشكيلات النفسية منها يصنع شخوصه المركبة والمليئة بالحقد وانانية على حساب الجميع، كل شخصيات المسرحية تعيش الصراعات والتناقضات، اغلبها تميل الى كافة الشرّ فأمام بريق كرسي الحكم تعمى البصائر وتصبح غريزة “حب البقاء” هي المسيطرة.

اغلب الشخصيات مشوهة بالدم، موصومة بالخيانة، تريد تحقيق النزوات واطماع لا نهاية بالسلطة والعرش والجاه قبالة محو كل قيم الإنسانية، ممارسات وغطرسة عاطفية يطلقها الملك أولا حين غضب على صغيرته “كورديليا” حين نزع عنها الحكم والثروة وبركته فقط لامها قالت الصدق واخبرته انها ستحبه دائما كأب ولكن غطرسة الملوك رأت في اجابتها قسوة، فنفاها ومن هناك انتشرت لعنة الزيف في مملكة لير الملك/ القوي/ المجنون.

استعمل المخرج شادي سرور سينوغرافيا مبهرة، تتغير حسب المشاهد وفضاء الحكاية، الديكور صنع حرفية عالية حتى بدى الفضاء وكانه قصر الملك لير فعلا، ساهمت الإضاءة في إضفاء جمالية على الفضاء المسرحي واثناء مشاهد الحرب تصبح داكنة مزعجة تماما كلون الموت، اعتمدوا موسيقى تشبه صراعات الشخصيات وسيطر عليها صوت بوق الحرب وطبوله التي ترافق دخول الملك، نفسها دقت حين دخل الممثل يحيى الفخراني لأداء التحية بعيد انتهاء العرض، واستعمل مخرج العرض التقنيات السينمائية خاصة “المابينغ فيديو” في انتقال الشخصيات من فضاء الى اخر ليعزّز الفرجة وسيدعم بقاء الصور في ذاكرة المتلقي.

ومن نقاط القوى في العمل “الكوستيم” الوانه جد جميلة بالإضافة الى التناسق الكلي بين الشخصية واللباس، للملك لباسه الخاصة وللأميرات خامة قماش تختلف عن البقية، حتى الفرسان يختلف لون الزي حسب الدرجة العسكرية، الكوستيم صنع جمالية مبهرة على شخصيات مسرحية “الملك لير”.

أبدع الممثلين في تقديم مسرحية تعد من ايقونات التراجيديا التي كتبها شكسبير، لكل ممثل أسلوبه في التعامل مع الشخصية وانفعالاتها النفسية والفكرية وطريقة الحركة والنطق، مختلفون من حيث الأداء وتشاركوا نجاح العمل في نسخته الجديدة، قدموا النص المنطوق بالفصحى مع بعض الإضافات بالدارجة المصرية واستعملها أكثر “بهلول” مهرج الملك والحكيم بين الشخصيات.

هو سيد القصة وصانعها، الملك لير شخصية مربكة ومركّبة ابدع في لعبها يحى الفخراني فهو ممثل متلون وقادر على الاقناع، شخصية صعبة تعامل معها الفخراني بشغف الأطفال، سينتقل من حالة نفسية الى أخرى بروح ممثل هاو يعشق الخشبة، ويصل الى المتفرج بخرة الأعوام في اللعب والانتقال من شخصية الى أخرى تاركا مع كل واحدة قطعة من الروح، يحيى الفخراني نجم العرض وسيده، لاعب الشخصية، انصت لوجعها وأضاف اليها ملامح النكتة، فجاء “لير” في نسخة تشبه فقط روح ممثل لا حدود لسقف أحلامه حين يصعد الى الخشبة، الملك لير لعبة مسرحية أخرى يخوض غمارها الفخراني المتجدد بالمسرح والتمثيل.

 “الملك لير” افتتحت الدورة السادسة والعشرين لايام قرطاج المسرحية، “لير” الشخصية تجاوزت الثمانين وكذلك مؤديها يحيى الفخراني، تجربة مسرحية أخرى تعيد البريق للمسرح الكلاسيكي وتمتع الجمهور بفرجة تحترم العين والفكر، صور جميلة تسرخ في ذاكرة المتلقي، وتلقائية الفخراني اثناء التمثيل كانت ترياقا لنجاح المسرحية امام جمهور قرطاج.

اترك تعليقك

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.