المنستير: المتغيّرات الرقمية والذكاء الاصطناعي وأثرها على العرض المسرحي

مهرجان خليفة السطنبولي للمسرح
في افتتاح مهرجان خليفة السطنبولي للمسرح: رحلة في ذاكرة المسرح وتكريمٌ “الهاربات”
7 ديسمبر 2025
الإمارات
الإمارات تعلن دعمًا بقيمة 550 مليون دولار لخطة الاستجابة الإنسانية العالمية
10 ديسمبر 2025
مهرجان خليفة السطنبولي للمسرح
في افتتاح مهرجان خليفة السطنبولي للمسرح: رحلة في ذاكرة المسرح وتكريمٌ “الهاربات”
7 ديسمبر 2025
الإمارات
الإمارات تعلن دعمًا بقيمة 550 مليون دولار لخطة الاستجابة الإنسانية العالمية
10 ديسمبر 2025
عرض الكل

المنستير: المتغيّرات الرقمية والذكاء الاصطناعي وأثرها على العرض المسرحي

مهرجان خليفة السطنبولي

في إطار الدورة التاسعة والعشرين من مهرجان خليفة السطنبولي للمسرح بالمنستير، انتظمت ندوة علمية بحثت في “المتغيّرات الرقمية والذكاء الاصطناعي وأثرها على العرض المسرحي” شارك فيها الأستاذين محمد مومن وحسن المؤذن والدكتور نزار السعيدي، وأدارتها الأستاذة نادية الوسلاتي.

الأستاذ حسن المؤذن: المجتمعات الإنسانية تشهد منعطفا حاسما

قال الأستاذ حسن المؤذن أنّ “المجتمعات الإنسانية تشهد منعطفا حاسما، صنعته الثورة السيبرانية بموجات سريعة ومتواترة، وطال هذا التحول الرقمي مختلف المجالات: المادي منها واللامادي، الاقتصاد، المجتمع، السياسة، الثقافة.”

وأضاف “ثم برز الذكاء الاصطناعي ليفتح آفاقاً جديدة، تطرح في نفس الوقت إشكاليات معقدة: أنطولوجية، إيتيك (أخلاقية)، تشريعية، سياسية، اجتماعية إلى غير ذلك”.

وواصل المؤذن “نستطيع القول أنّنا إزاء تحوّل يصفه البعض بأنه تحول أنثروبولوجي راديكالي، وهو تحول راديكالي نوعي يقذفنا في عالم يعبّر عنه البعض بعالم ما بعد الإنسان.”

في هذا العالم تتعاضد حقول النانوتكنولوجيا، والبيو تكنولوجيا، والإعلامية، والعلوم الإدراكية، لتدفعنا لمراجعة تمثلاتنا للوجود والإنسان والمجتمع والمصير البشري بصورة جذرية كما أكد المحاضر.

وفي ذات السياق قال أن المواقف تتوزع بين مواقف يلفّها التشاؤم القاتم، ومواقف فيها نوع من التفاؤل المتسرع أمام سؤال أساسي وهو “أي تصور للإنسانية معناها في العصر الرقمي؟”

وقال أنه من الطبيعي ألا تنفلت الفنون بمختلف أنواعها عن هذا المحيط، ذلك أن المسرح بحد ذاته متأثر بهذه التحولات العميقة، وبقدر ما يقول البعض أن ما يوفره هذا التحول من إمكانيات إبداعية مستحدثة ومسالك غير مطروقة، فإنها تزعزع الأسس الأنطولوجية للفن والإبداع الفني وأصالة الأثر (l’authenticité de l’œuvre)”.

الدكتور نزار السعيدي: نحو دراماتورجيا الواقع الافتراضي للدكتور نزار السعيدي

ينطلق الدكتور نزار السعيدي من فرضية أن التكنولوجيات الرقمية من الواقع الافتراضي (VR) إلى الواقع المعزّز (AR) والوسائط التفاعلية لم تعد مجرد “أدوات تقنية مضافة” أو زخرفية، بل تحولت إلى “عناصر بنيوية” تعيد صياغة مفاهيم الحضور والفضاء والسرد.

ويشير إلى أن تجربة تائهون – Dark Side تأسست في إطار مشروع جمالي ودراماتورجي مشترك بينه وبين الكاتب والدراماتورج عبد الحليم المسعودي، مشروع يقوم على مساءلة إمكانات السرد في مسرح “الآن وهنا”، وعلى إعادة تعريف مفاهيم الشخصية، الزمن، المكان، والعلاقة بين الممثل والمتفرّج، في محاولة لدمج “الافتراضي” بوصفه تقنية وبوصفه ثيمة، بما يسمح باستكشاف الراهن الاجتماعي التونسي عبر مرآة بيئة رقمية متحوّلة ومتوتّرة.

ويستند الباحث إلى “بيير ليفي” للإشارة في أن الأدوات الرقمية تعزز التجربة الجماعية وتوحد المشاركين في واقع مشترك، ويربط بين المحاولات الأولى لدمج الفيديو (مايرهولد، بسكاتور) وبين ما يتيحه الذكاء الاصطناعي اليوم من خلق صور تناظرية دقيقة.

ويقول في سياق حديثه عن الافتراضي وسؤال الراهن المسرحي “استخدم المخرجون الواقع الافتراضي لخلق بيئات مسرحية بديلة تنقل المشاهدين إلى ما وراء القيود الفيزيائية للمسرح التقليدي. ويشير المفكر الفرنسي بيير ليفي Pierre Lévy في كتابة “الذكاء الجماعي”L’Intelligence collective الصادر سنة 1994، أن الأدوات الرقمية تعزز التجربة الجماعية حيث يتوحّد الجميع كمشاركين فاعلين في واقع افتراضي مشترك تعبأ فيه جملة مهاراتهم في فضاء واحد”.

ويرى السعيدي أن “النزعة التشاركية التي يتميّز بها المسرح منذ نشأته زادت في تعميقه تقنيات العالم الافتراضي، تماشيا مع الأفكار التي تطرحها ما بعد الحداثة حول اللامركزية في الإنتاج المسرحي”.

أما فيما يتعلق بالافتراضي كموضوع للدراما فيرى السعيدي أنّ “الواقع الافتراضي تموقع كموضوع للدراما بحد ذاتها تعيد انتاج الواقع المعيشي واستكشاف الذاكرة. هذا الواقع الٱن الذي تسيطر عليه هالة الافتراضي في كل اركان التعايش المجتمعي ثقافة وسياسة واقتصادا وما الفن المسرحي إلاّ انعكاسا نقديا لهذا الحراك ومخرجاته”.

“تماشيا مع هذا الإطار المرجعي صيغت مسرحية تائهون Dark Side كتجربة في اعتماد الواقع الافتراضي كموضوع للدراما نستجوب من خلالها  مفاهيم الهوية، والحضور، وطبيعة الواقع ذاته. من خلال حكاية الفتاة المراهقة اشراق التي قتلت امها وهربت الى العالم الافتراضي وتحوّلت جريمتها الى محاكاة تقدم واقعا مفرطا صنعته خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي”.

ويؤكد أن “الواقع الافتراضي في المسرحية ليس مجرد ابتكار تقني، بل يمثل أيضًا استعارة قوية لتجزئة هوية الشخصيات المحورية للعمل وكرجع صدى لأزمة الهوية في ثقافة ما بعد الحداثة”.

ويختم الدكتور نزار السعيدي مداخلته بأنّ “مستقبل المسرح كما نراه، يكمن في مواصلة استكشاف هذه الفضاءات الافتراضية، حيث سيعاد تعريف السرد، وتفاعل المتلقي، وطبيعة الحضور نفسها. وهو المدار االفكري الذي نتحمل مسؤولية نقاسه في مشروعنا المسرحي الكبير”.

الأستاذ محمد مومن: المسرح فن مَتحَفيٌّ 

انطلق الأستاذ محمد مومن من أنّ التساؤل حول مصير المسرح أصبح من المضحكات، من المهازل، وهو سؤال إنكاري طبعاً لأنه، كمن يريد أن يواصل وكأنه لم يحدث شيء، يغمض عينيه كالنعامة التي تغرس رأسها في الرمل.. وكأن لا شيء موجود، بينما في الخارج العالم يتحرك.

وقال “أنا أعتبر المسرح من الفنون المتحفية ويستمد قوته من ذلك، وحقيقة المسرح في متحفيته.. فبالتالي لما تتاح لي فرصة أن أذكر بهذا.. أذكّر، فمن الضروري أن نتعامل من التقنيات و”المابينغ” (Mapping) حتى نتعلم، وهي استعمالات موظفة لمنوال إنساني حقيقة، وليس للبهرج اللوحي، لإبراز خطاب معين وأفكار معينة وصور معينة، وهذا هو المطلوب حسب رأيي من الفن ليبقى إنسانيا”.

وتساءل “هل سيصمد أمام هذه المتحفية؟ أمام هذا العصف؟ فالذكاء الإصطناعي ما هو إلا جزء منها فقط جزء،مجرد نقطة في المحيط”.

ثم واصل “إنّ البشرية التي نحن منها وهي منّا باتت تعيش حضارياً في زمنِ ما أصبح يسمى بـ “العابر للإنسانية” أو Transhumanism.. ويبدو أنها.. نقولوا الإنسانية أو “الأنسنة، ويبدو أن الفترة الانتقالية التي ستحملنا قريباً إلى عالم ما بعد الأنسنة Le Post-humanism وزمن سيختفي فيه الإنسان الذي عرفناه واحتفينا به طيلة آلاف السنين، سيصبح الإنسان من الغابرين”.

وأكد مومن أنّه “لن يبقى من الإنسانية التي عرفناها شيئاً مذكورا، ستصبح القيم التي قامت عليها حياتها هباءً منثوراً ستذروها الرياح، وتنهار المبادئ التي بنى الإنسان عليها تاريخه في الأرض، أجل، كل أعرافنا ومعارفنا ستذروها رياح هوجاء لا تبقي ولا تذر”.

وتساءل مرة أخرى “هل هي النهاية؟”

وأجاب “جل العارفين والمفكرين يرون وللأسف، أنها النهاية وأنها قريبة ووشيكة ولا ريب، فرغم بعض الأرواح المتمردة الغاضبة، إنّ الحياة هي الحكمة، والحكمة في التدرب على الموت والتأهب له، يجب أن نتدرب على ما بعد الأنسنة، ونفكر فيما ما بعد الكارثة”.

وواصل طرح الأسئلة قائلا “ماذا سنفعل في عالم الروبوتات، وهذا ليس فيلما من الخيال العلمي عالم، هل هناك مسرح؟ أي مسرح؟”.

وأجاب “تراجيديا” المعنى الحرفي للكلمة هو الموت، تتحدث عن “الأبوكاليبس” (Apocalypse) عين الحكمة في التدرب على الموت والتأهب له، فماهيّة الموت والحياة تمسح كامل الوجود وتحيط بكل العدم، ولا شيء يمكنه أن يبقى خارجاً فائضاً عنها، الموت في قلب الحياة والحياة في صميم الموت، وما الحياة الدنيا إلا لحظة بين موتتين، وجود بين عدمين، الحياة انتظار الموت.

وختم مداخلته بالقول “ألا أنصتنا على سبيل المثال إلى ما قاله صامويل بيكيت مثلاً، فهو يشهد على هذه البينية ويشدد على هذا الانتظار”.

اترك تعليقك

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.