“الرهوط” لــعماد الميّ : الوطن يئنّ و الشعب مجرد دمًى
15 جانفي 2018في إحصائيات ميديا سكان “لاباس” الأكثر فرجة
15 جانفي 2018مثّلت مسرحية “جنون” في مسيرة الفاضل الجعايبي علامة فارقة حتى أن البعض اعتبرها نهاية مخرجها الفنية مقارنة بما قدمه من بعدها، هذا العمل الفني جاب العالم ووجد ترحابا أينما حلّ ولعل أن تنجز آن كلوسي فيلما توثيقيا عنه دليل آخر على عمق هذه التجربة الفنية النفسية والوجودية.
الإطار الذي قُدّم فيه هذا الفيلم، سلسلة عروض فيديو فاميليا والذي حمل عنوان “تكلّم”، بفضاء الفن الرابع مساء الأحد 14 جانفي 2018 أمام طلبة ورشة الممثل التي أشرف عليها الجعايبي خلال أيام مهرجان المسرح العربي.
علينا ذكر حيثيات اختيار المشاركين فقد تم فتح باب المشاركة بواسطة استمارة الكترونية لورشة الفاضل الجعايبي لمدة أربعة أيام فقط، سجّل فيها حوالي 335 مسرحي شاب حسب تأكيد من مسؤول النشر والإعلام بالهيئة العربية للمسرح غنّام غنّام.
وقد تم الاتفاق على أن يختار منهم الجعايبي عشرة فقط معهم مراقب من جنسيات مختلفة وهي المغرب والجزائر والأردن وسوريا وفلسطين.
تركيز تام، انتباه لإدارة الممثل، انبهار بشخصية “نون” وتصفيق عند الإعجاب بلقطة ما، هذه أجواء قاعة العرض، تسمع أيضا بين الحين والآخر وشوشة ونقاش خافت.
الفيلم الوثائقي ببساطة رصد دقيق لعملية ولادة المسرحية على جميع مستوياتها من التحضيرات لأدوار الممثلين إلى البروفات إلى النقاشات الحادة أحيانا وإلى نوبات الضحك والغضب التي تعتري الممثلين خاصة منهم “دالي” بن جمعة كما يحلو للجميع مناداته وحتى لحظات الاجتماع على الأكل.
ورأينا المخرج في لحظات نادرة جدا كأن يقفز فرحا أوكأن يقدم من خلال بعض التوجيهات صعوبة الدور الذي جسده محمد علي بن جمعة حين قال ما معناه “كأنك تلد نفسك تخيل أوجاع الوضع وأوجاع الانبعاث لحياة جديدة ومدى صعوبتها وهولها”.
لكن لنعد إلى أسباب ولوج المشروع في ذهن جليلة بكار أولا التي افتتنت بنص كُتب باللغة الفرنسية يحمل عنوان “يوميات خطاب فصامي” للكاتبة ناجية الزمني، حيث صرحت في أكثر من مرة افتتانها بالحكاية وبموضوع الفصام وبالتجربة الوجودية التي عاشت عمقها الطبيبة النفسية مع مريضها، فأغرتها الكتابة لينطلق معها رفيق دربها الفاضل الجعايبي في المغامرة فكانت “جنون”.
نهلت جليلة بكار على مستوى “الدراماتورجيا” من النص الأصلي كما ذكرنا فكانت الكتابة الركحية من المعجم النفسي. ثم لا ننسى أليس المخرج الفاضل الجعايبي درس التحليل النفسي، لذلك نكاد نجزم أن هناك توليفة فريدة من نوعها أسست لعمل شاهق وعميق يبحث في أغوار الذات الإنسانية التي تعاني من الانفصام ومن بعدها انفصام المجتمع التونسي وحتى الدولي.
ظهر الإشتغال على شخصية “نون” في الفيلم جليا، فكان الجعايبي يركز كل اهتمامه على بن جمعة بما أنه الشخصية المحورية في المسرحية وعليه تنصب كل الأحداث، لذلك طبيعي جدا أن يقع اهتمام المخرج عليه فكان يوجهه كيف ينطق وكيف يتبنى تلك الشحنات الانفعالية لنقلها إلى المتلقي وهنا تلتقط المخرجة آن كلوسي لحظات معينة وتدخل عليها مؤثرات الإبطاء في بعض المشاهد كي نفهم انحيازها لذروة الأداء التمثيلي.
في هذا الفيلم التوثيقي تركيز أيضا على سينوغرافيا العرض التي هي الاطار المكاني لمنزل نون ولعبة الكراسي في آخر الفيلم التي صنفها البعض على أنها حالة من التجلّي لكل الممثلين وهنا نفهم من خلال صورة الفيلم أن المخرجة كلوسي استرعى اهتمامها الطرح الجمالي للفعل الدرامي بلعبة الكراسي تلك.
ليعاضدها حوار بين الطبيبة ونون حين تسأله عن ذاته وتمظهرها في الصخر والماء والسماء والأبوة.. أما هو ففي كل مرة يجيب بكلمة واحدة تختزل رؤيته.
رحلة علاجية ودرامية ووجودية تدفع بطريقي نون والطبيبة إلى التشابك والانصهار في مسار واحد ما كان ليكون لولا الرغبة في التغيير تحدو الاثنين فالطبيبة كانت تسعى إلى تغيير أساليب العلاج بالقرب من المرضى أما نون فبقمع ذاته وماضيه.
فريق الجعايبي في هذا العمل التوثيقي نراهم أناسا يجتهدون في لحمة “فاميليا” من أجل مشهدية مسرحية تأسر المتلقي. وقد أسرت الطلبة الذين تابعوا العرض وبحثوا في تفاصيله إثر انتهائه ففتحت نقاشات مطولة ليعلن أحدهم “دالي بن جمعة تأثر نفسيّا بعد هذه المسرحية” .
بلاغ صحفي