“أصمت لأراك” لأسامة حمري: تجربة شعرية عميقة

يشكّل ديوان “أصمت لأراك” تجربة شعرية عميقة تتأرجح بين الحلم والواقع، وبين البوح الذاتي والانفتاح على أسئلة الوجود الكبرى، فمنذ العنوان، نلمس توجه الشاعر نحو فعل الإضافة باعتباره محاولة لملء فراغ داخلي أو بناء جسر لامرئي نحو الآخر.

يسعى الديوان الى تأسيس سند روحي ومعنى في عالم هش وقاس.

العناوين التي نجدها في الفهرس مثل “للأرزة ذاكرة” و”ارتبك البحر” و”ماذا لو كان كل هذا حلما” و”يقول الزيت للماء” تكشف انشغال الشاعر بعوالم داخلية وخارجية تتصارع وتتشابك.

إلى جانب ذلك نجد نزوعا نحو التجريد وتأمل الكائنات والأشياء من منظور جديد، يمنحها حياة وصوتا ويعيد ترتيب علاقتها بالإنسان.

لغة الشاعر لغة مكثفة، تعتمد على جمل قصيرة تنبض بإيقاع داخلي، وتفتح مجالا واسعا للتأويل. الصور الشعرية لا تكتفي بوصف الواقع، بل تعيد تشكيله. وهي في مجملها صور .

تتجاوز المألوف وتعيد صياغة العلاقة بين الكلمة والوجود.

يتميز الديوان أيضا بتوازن بين الذاتية والكونية. فبينما ينطلق الشاعر من مشاعره وتجربته الداخلية، إلا أن النصوص تتجاوز حدود الفرد لتطرح أسئلة تخص الإنسان ككل: عن الموت، عن الذاكرة، عن الحاضر والمستقبل، عن العلاقة بين الكائنات، وحتى عن قدرة الحلم على مقاومة الواقع.

من الناحية الفنية، يمكن ملاحظة استخدام الشاعر للبنية المفتوحة والاقتصاد في الكلمات، حيث تتوزع الكلمات على الصفحة بشكل يمنحها طاقة بصرية، ويجعل القارئ يتوقف عند كل سطر وكأنه نفس شعري قائم بذاته.

في المجمل، ديوان “أصمت لأراك” تجربة شعرية تتسم بالعمق والتأمل الفلسفي، وتكشف عن شاعر يكتب من قلبه وعن قلقه، ويجعل من قصائده مساحات للتفكير والتساؤل لا للإجابات الجاهزة. إنه ديوان يزرع في القارئ إحساسا بأن الشعر ما زال قادرا على إعادة تشكيل العالم وعلى جعل زهرة واحدة قادرة على صنع الربيع.