مطربة الأجيال ميادة الحناوي بتونس
3 ماي 2017
مهرجان” أيام الفداوي” في سوسة في دورته السابعة عشرة
4 ماي 2017
عرض الكل

الحداثة في تونس… عندما يُراجع بورقيبة مواقفه

تونس- محمد أمين بن هلال

منذ أيام الاستقلال الأولى شرع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في استصدار قوانين وتشريعات حاول عبرها بعث روح حداثية لدى التونسيين واختار في أحيان كثيرة اعتلاء مطية الجبر والقهر في تنفيذ مشروعه.

لكن المفاجئ لدى بورقيبة قيامه بعدد من المراجعات أو التراجعات عمّا عُرف عنه سيما في ما يتعلق بالمرأة والأسرة، أحصت الباحثة والمؤرخة صوفي بسيس مجموعة من هذه التراجعات، على غرار إعلان الرئيس بمناسبة مؤتمر الاتحاد القومي النسائي التونسي في 20 ديسمبر 1962 من أنه ينبغي الاحتفاظ للرجل بحق رئاسة العائلة، أو قوله في مؤتمر 1976 “ليس ضروريا أن تعمل المرأة بأجر خارج البيت، وأن الأولوية للرجال”.

كما وصفت الأستاذة بسيس مطالبة الرئيس في خطاب 13 أوت بوجوب التصدي للانحلال الأخلاقي ودعوته النساء “للتحلي بالحياء الذي نسيته”، بأنه خطوة للوراء.

مراجعات لم تحظ بالاهتمام الإعلاميّ ولم تسلّط عليها الأضواء، ليظل الرئيس الأول في تونس لدى الكثيرين محرّر المرأة وفي نظر آخرين سببا في تفكك الأسرة التونسية وانحلال المجتمع، سيما مع خطاب بورقيبة بتاريخ 7 أفريل/ أبريل 1958 الذي اعتبر فيه أن مسألة تحرير المرأة مضاهية لتحرير الوطن، موعزا احتلال البلاد إلى ما كانت عليه المرأة من بؤس وتخلف.

آخر المؤلفات في هذا المجال

أحد آخر الأعمال الفكرية التي تتناول هذه المسألة وتعالجها هو كتاب التحديث الاجتماعي والسياسي في تونس للأستاذ صالح مطيراوي، الصادر عن منشورات كارم الشريف.

هذا الأثر يقول عنه كاتبه، إنه قراءة في التجربة التحديثية التي خاضتها الدولة التونسية المستقلة، تحديدا في المجالين الاجتماعي والسياسي من تلك التجربة.

وقد راوح الكتاب -منهجيا- بين الدراسات القانونية والسياسية والحضارية، حيث وإن كان محط نظر صاحبه أساسا نصوص قانونية، قانون الأحوال الشخصية والدستور، فإن المقاربة التي اعتمدها الأستاذ مطيراوي في معالجة تلك النصوص لم تكن مقاربة قانونية صرفة، وإنما ذهب يبحث في خلفيات تلك القوانين وأهدافها القريبة والبعيدة واستراتيجياتها الحقيقية، وعلى رأسها إذا كان الهدف الرئيسي من تلك القوانين والسياسات هو تحديث المجتمع والدولة التونسية، فإلى أي مدى نجح هذا الرهان؟

ومدار هذا الكتاب الإجابة عن سؤالين جوهريين هما، هل نجح قانون الأحوال الشخصية في تهيئة عائلة أكثر توازنا واستقرارا؟ وهل نجح دستور 1959 في تأسيس نظام ديمقراطي مؤسساتي، قوامه القانون والحق والعدل؟

الدستور التونسي

يخلص الكاتب إلى أن دستور 1959 هو دستور الاتجاه الواحد، ذلك أنه لم يضمن الحقوق والحريات الأساسية ولا المراقبة على الحكومة ومساءلتها إلا في حدود ضئيلة.

ومن نقائص التجربة الأولى، فهم الحداثة، إذ رأى الحبيب بورقية أن الشعب الذي لا يمتثل لمقررات حكومته ولا أوامرها يعد شعبا متأخرا لا يفهم القيم الروحية التي يتطلبها وطنه، ولذلك فعلى كل مواطن مهما تكن أفكاره وميوله أن يؤيدها ويساندها ويتضامن معها في كل ما تقوم به، الأمر الذي يعني أنه لا صوت يعلو فوق صوت الحاكمين ولا رأي يصدر مخالفا لما رأوه صالحا.

ويعتبر الكاتب أن قادة الدولة الوطنية ربما أفلحوا في تشخيص العلّة وهي الإغراق في الجهل والماضوية، ولكنهم كانوا أقل نجاحا في توصيف العلاج لما اعتقدوا أن ما صلح لمجتمعات أخرى وما نهض بها، يصلح بالضرورة لكل المجتمعات، وهو أمر ثبت فشله، بل وصعوبة معالجة آثاره، إذ أننا أصبحنا إزاء مجتمع يسميه الأستاذ علي مزغني “بين بين”.

ملامح التجربة التحديثية في تونس

لتنفيذ برامجها المختلفة، سلكت نخبة التحرر الوطني في تونس التخطيط كمنهج وكأسلوب وحاولت التوصل إلى ما يسمى في العلوم السياسية بالدولنة Etatisation)) أي احتكار مشروعية تمثيل المجتمع والتعبير عنه إضافة إلى التحكم في قوانين تطوره ومحتوياته،

فقدمت الدولة نفسها لا كجهاز سياسي بل كفاعل اقتصادي واجتماعي مما ضخّم دور السلطة السياسية وزاد في مركزيتها إلى أن “تحولت السلطة كأداة سياسية في فكر الحداثة (التونسي) من أداة للتحديث إلى جزء منه ومبرر له… بل الفضاء الذي يختزله”، على رأي الأستاذ نور الدين عرباوي في كتابه “التربية والتحديث في تونس”.

ومن الخصائص التحديثية للتجربة التونسية، كما يراها الباحث في علم الاجتماع التربوي طارق بالحاج محمد، الكلية السياسية والدولنة، فهما مميزات الأداء السياسي في المرحلة ما بعد الاستعمارية، والتجربة التحديثية التونسية تمتاز بصفتين، هما السرعة والإلزامية، بمعنى أن المجتمع التونسي آنذاك لم يكن يملك من خيار سوى التنفيذ والإنجاز، كما أن الحركية الاجتماعية التي كانت من نتائج هذه السياسة لم تكن سوى تعبئة لكل طاقات المجتمع في مواجهة الفقر والتخلف والأمية.

ورغم الانتقادات الموجهة للتجربة التحديثية في تونس، فان الإقدام عليها وتحدي الواقع المأساوي فكريا واقتصاديا أفضل من البقاء والمراوحة في ذات المكان، مع لزوم مراجعة التجربة واستجلاء حدودها ومواطن الخلل فيها، فهو المسلك الأسلم للترقي وبناء “أمة تونسية”، كما يسميها الرئيس الأول للدولة، متجذرة في تربتها العربية الإسلامية ومنفتحة على تطورات الغرب وانجازاته والإسهام أيضا في التطور والإنجاز.

 

اترك تعليقك

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.